إيال ساغي بيزاوي
توصي كتب السياحة لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السياحَ، رجالا ونساء على حدٍّ سواء، أن يأخذوا بالاعتبار رموز الثقافة المحلية، وأن يحترموا السكان المحليّين وأن يرتدوا ملابس محتشمة. بالتأكيد ينطبق الأمر عند زيادة أماكن الصلاة، المساجد أو الكنائس، ولكن أيضًا في شوارع المدن وأزقة القرى. توضح الكتب أنه في مواقع السياحة الشعبية بشكل خاصّ، مثل الأهرام في مصر، من شأن ارتداء السراويل القصيرة والفساتين الخفيفة والمكشوفة، أن يكون أكثر راحة. أخذت مجموعة من السياح، كما يبدو، هذه التوصية بخطوات كبيرة إلى الأمام.
في بداية الشهر، نشرت صحيفة "المصري اليوم" خبرا عن فيلم إباحي
قصير تم تصويره في منطقة الأهرام في الجيزة، قرب تمثال أبو الهول، من قبل سياح ناطقين بالروسية. وينتشر الفيلم، كما اتضح، في النت منذ أكثر من تسعة أشهر وتظهر فيه مشاهد جريئة، من بينها مشاهد الجنس الفموي، والتي تم تصويرها قرب الموقع. وذلك - كما نقل للصحيفة عضو في جمعية للحفاظ على الآثار في مصر - بعد أنّ تم عام 1997 في الأقصر وأسوان والأهرام تصوير فيلم غريب، والذي حظي أيضًا بجائزة الفيلم الإباحي الأفضل في مهرجان في فرنسا. وقد أثار الخبر بالطبع غضبا شديدا، سواء في أوساط الجهات الدينية أو في أوساط كثيرين ممّن يرون في الموقع جزءًا من التراث والتاريخ المحلّي، فقد اعتُبر هذا الفعل مسّا بكرامة مصر. دعا المحتجّون إلى فرض القانون المصري، والذي يُحظر بحسبه التقبيل والعناق في الأماكن السياحية، وزيادة قوى الشرطة في المنطقة. ومع ذلك، قال المسؤول عن دائرة الآثار الحكومية، إنّ لدى السياح ثقافة خاصة بهم ولا يمكن أن نفرض عليهم الحظر الذي ينطبق على أبناء مصر وبناتها.
و"الثقافة الخاصة بهم" هي القضية تماما. لأنّ الأمر ليس أنّه ليست هناك إباحية في العالم العربي، أو لا يستهلكونها فيه. بل على العكس. مع الأخذ بعين الاعتبار التقييدات والحظر الكبير المفروض على غير المتزوجين - سواء المكتوبة في القانون أو المقبولة بصمت - فلا عجب أنّه من بين ثمانية بلدان سُجّل فيها أكبر نسبة من الدخول لمواقع الإباحية في النت، هناك ستّة بلدان إسلامية. وهذا وفقا لبيانات البحث في جوجل عام 2014. تقع باكستان في المركز الأول، ومصر في المركز الثاني.
رغم أنه، في السنوات الأخيرة، قام في العالم العربي خبراء، وتحديدا خبيرات، ليتحدّثوا علنًا وبشكل صريح عن الجنس وعن العادات الجنسية في العالم العربي، وقد أوصوا بوضعيات معينة ودعوا النساء إلى التعرف على حاجاتهنّ الجنسية الخاصة وإشباعها. وقد كرّست الباحثة والمقدّمة الكويتية فوزية الدريع في برنامج التلفزيون الخاص بها "قصة حبّ" جزءًا للسؤال الأبدي إذا ما كان الحجم يقرّر، وقد تحدّثت مستشارة الأزواج من دبي، وداد لوتاه، مادحة الجنس الفموي في كتاب "سرّي للغاية"، ودعت الكاتبة وطبيبة النفس المصرية نوال السعداوي النساء إلى المطالبة بحقّهن بتعدّد الأزواج. ومع ذلك، تتمّ ممارسة هذا الانفتاح، كما يتلاءم مع المنطقة، طالما أنّ الحديث عن علاقات "مسموحة"، وهو أن الأمر في إطار زواج يتماشى مع الدين والقانون. حتى مشاهدة الإباحية مقبولة من قبل بعض فقهاء الدين المسلمين، شريطة أن يشاهدها الزوجان معا، ويساعد ذلك في التقريب بينهما وزيادة الرغبة الجنسية ويساهم بذلك في استمرارية العلاقة.
ومع ذلك، كما في كل مجتمع تقليدي، في كل ما يتعلق بالعلاقات خارج إطار الزواج أيضًا في العالم الإسلامي هناك حظر صارم، والإحباط لدى الشباب العُزب يزداد فقط أكثر من أي وقت مضى. وقد حظي عام 2000 بمصطلح في فيلم كوميدي مصري اسمه "فيلم ثقافي"، من إخراج محمد أمين. يتحدث الفيلم عن مجموعة من الشباب يحوزون على شريط فيديو لفيلم إباحي، ومنذ تلك اللحظة وعلى مدى كل الفيلم يبحثون عن طريقة يستطيعون فيها الجلوس ومشاهدة الشريط ليستمتعوا. في إحدى المرات ينقطع الشاب الذي قرّروا أن يشاهدوا الفيلم في منزله ويختفي، ومرة يبدأون بمشاهدة الفيلم ثم فجأة ينقطع التيّار الكهربائي، ومرة أخرى يبدأون بمشاهدة الفيلم من جديد ويأتي والدا صديقهم إلى المنزل، وفي مرة أخرى يتضح أن الفيلم هو بالصيغة الأمريكية ولا يلائم الصيغة التي يعمل بها جهاز الفيديو المتاح. بل إن الشبان يصلون حتى إلى المركز التعليمي الخاص بالمسجد القريب، على أمل أن يستطيعوا استعارة الفيديو لساعتين أو ثلاث، ولكن دون جدوى. يبقون محبطين، كالكثيرين من الشباب الذين تزداد الهرمونات في عروقهم في حين أنّه يُحظر عليهم حتى مسك أيدي صديقاتهم في الأماكن العامة دون أن يكونوا خطيباتهم على الأقل.
"يبدو ذلك ربّما فيلما كوميديا سخيفًا"، كما قال لي صديق مصري في منتصف ثلاثينيات عمره، "ولك هناك حاجة إلى أن تفهم، أنه عندما صدر كان أكثر فيلم لامسني ولامس جيلي. بالنسبة لي فهو فيلم نقدي جدّا، يتحدث عن المشكلة الأكثر إزعاجا لنا في تلك السنّ، والتي لم يتحدّث أحد معنا عنها". تحت تقييدات اجتماعية صارمة، كما أوضح، فإنّ التوجه للجنس هو الملجأ: "فكر في أي صورة مشوّهة لدى جيل الشباب بخصوص ما هو الجنس وكيف يجب أن يبدو". وقد عبّر بكلامه هذا عن المفارقة المتأصّلة بأنّ الإباحية - التي أضرارها معروفة - ترمز ، مع ذلك، لدى الشباب إلى التحرّر من القيود.
على أية حال، منذ أن وصل "فيلم ثقافي" إلى شاشة النت فقد انفجر في كل ركن من حياتنا، ونظرا لتوفره فقد أصبحت الإباحية محراب كل مستمنٍ مبتدئ، عربيا كان أو غربيّا. الغرب، وفقا للصحفي البريطاني جون باريدلي، يحبّ جدّا النظر إلى العالم الإسلامي باعتباره عالقا في التقاليد القديمة والبالية. وكمثال فقد قدّم نموذج الكاتب البريطاني مارتين آيميس، الذي ادعى أن الإرهاب الإسلامي نابع من الإحباط الجنسي لدى الرجال المسلمين، الذين يجدون متنفّسهم في توجيه أنفسهم إلى داخل مبانٍ قضيبية. ولكن الصورة مختلفة، كما يقول برايدلي في مقابلة قدّمها لموقع "سلون" في أعقاب نشر كتابه "Behind the Veil of Vice The Business and Culture of Sex in the Middle East" عام 2010. بحسب كلامه، فإن سهولة الوصول إلى الإباحية لدى الشبان العرب هي كما لدى الشبان في الولايات المتحدة، ومشاهدتها لم تعد قضية كبيرة كما كان في الماضي.
في الحقيقة تحاول السلطات في البلدان الإسلامية تقليص الظاهرة، سواء عن طريق إلغاء القنوات الإباحية عبر الأقمار الصناعية أو من خلال تقييد الوصول إلى النت. لقد تمّ اعتقال ومحاكمة شبان لبنانيين نشروا قبل نحو أربع سنوات أفلامًا إباحية مسروقة، بل ويواجه ناشرو الأفلام الإباحية في إيران خطر عقوبة الإعدام. ومع ذلك، فإنّ الرجال المسلمين لا يتنازلون. في مدن المملكة العربية السعودية هناك شبان يبيعون "بطاقات" خاصة لاختراق الرقم السري لقنوات الأقمار الصناعية الإباحية، ويمكن تجاوز التقييدات في الشبكة العنكبوتية أيضًا.
علاوة على ذلك، فإنّ الرجال والنساء في أنحاء العالم العربي لا يشاهدون الأفلام الإباحية فحسب، بل يقومون بتصوير أنفسهم وهم يمارسون الجنس أو يستمنون ويرفعون أفلامهم للشبكة. يشاهد تلك الأفلام متصفّحون عرب من بلدان مختلفة، من الساعين لسماع الجنس بلغتهم، ولكن أيضًا متصفّحون من جميع أنحاء العالم الذين ربّما ملّوا من نموذج الجمال الصارم وأحاديّ اللون الذي تفرضه صناعة الإباحية في العالم الغربي. يمكن في هذه الأفلام مشاهدة نساء سمينات، بعضهنّ يرتدين منديلا، ورجال مليئين بالشعر، مع شوارب أحيانا، ممَن لا يقضون 23 ساعة من التي لا يصوّرون أنفسهم فيها في أماكن دباغة الجلد واللياقة البدنية.
إنّ نجوم الإباحية الحقيقيين في العالم العربي، على أيّة حال، لم يتعدوا تلك الأفلام المحلية بعد. من أجل أن تصبح نجما حقيقيّا عليك أن تصل إلى الغرب. هذا ما حدث على سبيل المثال لكونر حبيب نصف الإيرلندي نصف السوري، ولراجي دنفارز نصف اللبناني، ولطوني عزيز اللبناني؛ فثلاثتهم مثليّون أصبحوا نجوم إباحية مثلية. قال عزيز، الذي يظهر في جميع أنحاء العالم كراقص جوجو وكممثّل إباحي في أفلام من إنتاج Raging Stallion، في مقابلة مع موقع أمريكي إنّه وأصدقاءه يمدّون حدود الثقافة التي أتوا منها. أيضًا مع كونهم مثليّين، إضافة إلى كونهم نجوم إباحية، يحتفلون بجنسويّتهم ولا يخجلون بها. كان لبنان والشرق الأوسط كله، كما قال، المكان الجذّاب، ناهيك عن كونه مميّزا، حيث جاء إليه قياصرة روما لاحتفالات الفجور والجنس. وقال عزيز أيضًا إنّ الكثير من المثليين في العالم العربي أرسلوا إليه، معبّرين عن تقديرهم لشجاعته وشاكرين له على ما يرمز إليه بالنسبة لهم.
حتى نجمة الإباحية اللبنانية ميا خليفة، التي تثير مؤخرا جنون الرجال في العالم العربي، وليس هو فقط، استطاعت تطوير حياتها المهنية المريبة فقط في الغرب. وُلدت خليفة عام 1993 في بيروت وعندما بلغت السابعة انتقلت مع أسرتها إلى الولايات المتحدة. قبل نحو عام، عندما عملت كنادلة، سألتها إحدى الزبونات إذا ما كانت ترغب بالعمل في مجال الإباحية. وافقت خليفة، دخلت إلى هذه الصناعة في شهر تشرين الأول الماضي، وفي نهاية شهر كانون الأول تم الإعلان عنها كنجمة الإباحية الأكثر طلبا في موقع "Pornhub" الشهير. وقد خصّص لها كادر "Timefiles" أغنية سمّيت على اسمها، وقد رفضت طلب مغني الراب الذي طلب الخروج معها، بشكل علني. في أفلامها، يتمّ تصويرها دائما تقريبا وهي ترتدي منديلا أو كأنّ على كتفيها كوفية أو وشاحا عربيّا. وهي تلبّي بذلك بالتأكيد. الخيال الاستشراقي لدى الكثير من المتصفّحين الغربيّين.
وربّما يكمن في ذلك أيضًا الغضب العارم في العالم العربي في كلّ مرة يشارك الأجانب، أو "الغربيّون"، في الموضوع. وسوى المقبول وغير المقبول في مجتمع محافظ، وسوى قضايا الرموز الثقافية، فدائما وأبدا، رأى الغرب بالشرق مكانا غامضا وصوفيّا، ذلك المحفوف بالمخاطر والكثير من المشاعر البدائية، ذلك الذي أبناؤه وبناته هم إرهابيون ولكنّهم أيضًا موضوعا للجذب. يسمّون ذلك "الهمجيّ النبيل". وليس الأمر أنّه ليس هناك جنس في العالم الإسلامي، ولا مشاهد فاحشة، ولا إباحية. ولكن النظرة الفضولية من الخارج، ربما تشبه قليلا نظرة هذا العمود نفسه، تلك التي تحاول الاستكشاف، التفهّم، والتي تسعى إلى التحليل واستنتاج استنتاجات نهائية، بالتأكيد ليست موضع ترحيب. ومن المشكوك فيه إذا ما كان هذا التشويه، الذي تتحوّل الإباحية في إطاره إلى جزء من "عبء الرجل الأبيض"، قضية يسعى الغرب إلى الفخر بها.
نُشرت المقالة في الأصل على موقع صحيفة "هآرتس" باللغة العبرية
No comments:
Post a Comment